حدثتك فى مقالى السابق عن انحطاط خداع البسطاء باستخدام صور المشايخ لابتزاز أصواتهم لصالح أحزاب لا ينتمى إليها هؤلاء المشايخ ولا يؤيدونها دون غيرها كما أعلنوا بأنفسهم فى قنواتهم الفضائية .
فى المقابل ، كشف مشهد الانتخابات عن ظاهرة ربما تكون فريدة من نوعها عالميا ، ألا وهى " الليبرالية الطائفية " وهى صناعة محلية 100 % لا مثيل لها فى دول المنشأ الليبرالى ، وخلاصتها أن يقوم رجال أعمال طائفيون بالتحالف مع بعض القساوسة من جانب وبعض العلمانيين المسلمين من جانب أخر لشخص المواطن المسيحى طائفيا من أجل التصويت لصالح الكتلة المصرية ، لا حبا فى برنامجها بالضرورة . ولكن بغضا فى " الظلاميين " الذين سيجعلون منه مواطنا من الدرجة الثانية ، وذلك تحت غطاء إعلامى كثيف من الليبرالية والحداثة والتنوير .
ولأن لكل فعل رد فعل مساويا فى المقدار ومضاد له فى الاتجاه ، فقد رأينا كيف أن ذات الأساليب المنحطة يتم استخدامها تحت غطاء المشايخ تارة ، وتحت غطاء الليبرالية والحداثة تارة أخرى ، الأمر الذى فزع معانى التدين والليبرالية كليهما من كل مضمون حقيقى .
تقوم الليبرالية - كما عرفها مؤسسوخا - على الإيمان بالنزعة الفردية القائمة على حرية الفكر والتسامح وكرامة الإنسان وضمان حرية الاعتقاد والضمير والتعبير والمساواة أمام القانون ، على أن تقف الدولة على الحياد أمام جميع أطياف الشعب ولا تتدخل فى شئونهم أو انشطتهم الاقتصادية إلا فى حالة الإخلال بمصالح الفرد.
ويظهر التقارب بين الليبرالية والديمقراطية فى مسألة حرية المعارضة السياسية ، فدون الحريات التى تحرص عليها الليبرالية فإنه لا يمكن تشكيل معارضة حقيقية ، لكن التباعد بينهما يظهر من زاوية أن الليبرالية لا تقتصر على حرية الأغلبية ، بل تؤكد حرية الفرد بكل أنواعها وهى تحمى بذلك الأقليات عن عسف السلطة .
نحن بحاجة إذن إلى ديمقراطية تحمى الأغلبية من استبداد اقليات ذات نفوذ اقتصادى أو عصبيات اجتماعية تحاول فرض هوية أو سياسات غير تلك التى ترتضيها الأغلبية ، كما أننا بحاجة إلى ليبرالية تحمى الأقلية من استبداد أغلبيات تحاول استخدام السلطة لقمع حرية الأقلية ولو كانت فردا واحدا .
لكن النموذج الذى يتم تأسيسه حاليا فى إطار الكتلة المصرية لا علاقة له ألبتة بقيم الليبرالية كما عرفها الأباء المؤسسون من أمثال توماس هوبيز وجون لوك ، إذا إن ممارسة السياسة على أساس طائفى لا علاقة له بالليبرالية من قريب أو بعيد ، وإن تم تغليفها بألة إعلامية تتحدث عن التنوير والحداثة والتطور .
أزعم أن معركة القيم التى نادت بها ثورة يناير المجيدة ستكون فى مواجهة طرفى المعادلة اللذين يمارسان الشحن الطائفى فى دعايتهما الانتخابية ، لكن بشائر النتائج تؤكد أن ثمة تغيرا جوهريا يحدث فى قاع المجتمع ربما يساهم التراكم الديمقراطى الجديد فى ترسيخه ، ولى معك فى هذا الموضوع تحديدا حديث قادم.
( هذا المقال ليس له رابط على الانترنت )